سورة عبس - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (عبس)


        


{فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32)}
ولما عدد النعم في نفسه: أتبعه ذكر النعم فيما يحتاج إليه، فقال: {فَلْيَنظُرِ الإنسان إلى طَعَامِهِ (24)} إلى مطعمه الذي يعيش به كيف دبرنا أمره {أنا صببنا الماء} يعني الغيث. قرئ بالكسر على الاستئناف، وبالفتح على البدل من الطعام، وقرأ الحسين بن علي رضي اللَّه عنهما {أنى صببنا} بالإمالة على معنى: فلينظر الإنسان كيف صببنا الماء. وشققنا: من شق الأرض بالنبات ويجوز أن يكون من شقها بالكراب على البقر؛ وأسند الشق إلى نفسه إسناد الفعل إلى السبب. والحب: كل ما حصد من نحو الحنطة والشعير وغيرهما. والقضب: الرطبة والمقضاب: أرضه، سمي بمصدر قضبه إذا قطعه؛ لأنه يقضب مرَّة بعد مرّة {وَحَدَآئِقَ غُلْباً (30)} يحتمل أن يجعل كل حديقة غلباء، فيريد تكاثفها وكثرة أشجارها وعظمها، كما تقول: حديقة ضخمة، وأن يجعل شجرها غلباً، أي: عظاماً غلاظاً. والأصل في الوصف بالغلب: الرقاب؛ فاستعير. قال عمرو بن معد يكرب:
يَمْشي بِهَا غُلْبُ الرِّقَابِ كَأَنَّهُمْ *** بُزْلٌ كُسِينَ مِنَ الْكُحَيْلِ جِلاَلاً
والأب: المرعى، لأنه يؤبّ أي يؤم وينتجع. والأبّ والأمّ أخوان قال:
جِذْمُنَا قَيْسٌ وَنَجْدٌ دَارُنَا *** وَلَنَا الأبُّ بِهِ وَالْمَكَرَعُ
وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه سئل عن الأبّ فقال: أيّ سماء تظلني، وأيّ أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا علم لي به.
وعن عمر رضي الله عنه: أنه قرأ هذه الآية فقال: كل هذا قد عرفنا، فما الأب؟ ثم رفض عصاً كانت بيده وقال: هذا لعمر الله التكلف، وما عليك يا ابن أمّ عمر أن لا تدري ما الأب، ثم قال: اتبعوا ما تبين لكم من هذا الكتاب، وما لا فدعوه فإن قلت: فهذا يشبه النهي عن تتبع معاني القرآن والبحث عن مشكلاته.
قلت: لم يذهب إلى ذلك، ولكن القوم كانت أكبر همتهم عاكفة على العمل، وكان التشاغل بشيء من العلم لا يعمل به تكلفاً عندهم؛ فأراد أنّ الآية مسوقة في الامتنان على الإنسان بمطعمه واستدعاء شكره، وقد علم من فحوى الآية أنّ الأب بعض ما أنبته الله للإنسان متاعاً له أو لإنعامه؛ فعليك بما هو أهم من النهوض بالشكر لله- على ما تبين لك ولم يشكل- مما عدّد من نعمه، ولا تتشاغل عنه بطلب معنى الأب ومعرفة النبات الخاص الذي هو اسم له، واكتف بالمعرفة الجميلة إلى أن يتبين لك في غير هذا الوقت، ثم وصى الناس بأن يجروا على هذا السنن فيما أشبه ذلك من مشكلات القرآن.


{فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41) أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42)}
يقال: صخّ لحديثه، مثل: أصاخ له، فوصفت النفخة بالصاخة مجازاً؛ لأن الناس يصخون لها {يفرّ} منهم لاشتغاله بما هو مدفوع إليه، ولعلمه أنهم لا يغنون عنه شيئاً؛ وبدأ بالأخ، ثم بالأبوين لأنهما أقرب منه، ثم بالصاحبة والبنين لأنهم أقرب وأحب؛ كأنه قال: يفرّ من أخيه، بل من أبويه، بل من صاحبته وبنيه. وقيل: يفرّ منهم حذراً من مطالبتهم بالتبعات. يقول الأخ: لم تواسني بمالك. والأبوان: قصرت في برنا. والصاحبة: أطعمتني الحرام وفعلت وصنعت. والبنون: لم تعلمنا ولم ترشدنا، وقيل: أوّل من يفرّ من أخيه: هابيل؛ ومن أبويه: إبراهيم ومن صاحبته: نوح ولوط؛ ومن ابنه نوح {يُغْنِيهِ} يكفيه في الاهتمام به. وقرئ {يعنيه} أي يهمه {مسفرة} مضيئة متهللة، من أسفر الصبح: إذا أضاء وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما: من قيام الليل؛ لما روي في الحديث: «من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار» وعن الضحاك: من آثار الوضوء. وقيل: من طول ما اغبرت في سبيل الله {غَبَرَةٌ} غبار يعلوها {فترة} سواد كالدخان؛ ولا ترى أوحش من اجتماع الغبرة والسواد في الوجه، كما ترى من وجوه الزنوج إذا اغبرت؛ وكأن الله عز وجل يجمع إلى سواد وجوههم الغبرة، كما جمعوا الفجور إلى الكفر.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة عبس وتولى جاء يوم القيامة ووجهه ضاحك مستبشر».

1 | 2